سأعبر جسر الدموع رغبة في رؤية الغد Ashita no Joe

By , Comment



أشيتا نو جو عمل مختلف نوعا ما عن ما عهدناه من اليابانين ، فرغم أنه قديم للغاية إلا أن الطابع القصصي أخد منحى آخر مقارنة بأعمال ‘ أنميات و مانغات تلك الفترة ‘ ، فالأعمال التي إكتسحت الساحة حينها مثل آسترو بوي و غلاندايزر و غيرها كانت نوعا ما أعمال وردية خالية من الدراما ، عكس الأشيتا الذي ركز على الدراما و البؤس بالدرجة الأولى ، و قد كان هذا سببا من أسباب إنهاء القصة في وقت مبكر لأن العامة اليابانية لم تكن متعودة على مثل تلك الأعمال في بداية السبعينات و نهاية الستينات ، و قد حصد العمل ‘ كأنمي و مانغا ‘ شهرة واسعة بالخصوص أواسط الثمانينات حيث تمت دبلجته لعدة لغات إيطالية فرنسية عربية إسبانية ، و حمل عدة أسماء أهمها جو البطل ، يابوكي جو ، جو المبتدئ … من الأشياء التي يجب التطرق لها في بداية المراجعة أن جو يعتبر أيقونة يابانية و قد أثر في عدة أعمال من بعده و لعل أشهرها فتيان القرن العشرين ‘ دخول كينجي و قوله إسمي يابوكي جو ‘ ، و مغامرة جوجو العجيبة ‘ تسريحة شعر جوزيف ، و ملابس جوتارو ‘ ، و رغم أن العمل قديم  للغاية فقد صوت اليابانيون له  كرابع أفضل أنمي في تاريخ التلفاز الياباني سنة 2006 ،إضافة لصدور لايف أكشن من بطولة أشهر نجوم السينما و الغناء اليابانين للعمل سنة 2011 حقق إيرادات عالية في البوكس أوفيس الياباني ، مع ما يناهز أكثر من 10 ألعاب فيديو صدرت على مختلف منصات الألعاب في التسعينات و بداية الألفية، و غيرها العديد العديد من الأرقام المهولة لهذه الأسطورة الخالدة .

قصة العمل كلاسيكية للغاية ، تحكي عن الفتى الجوال يابوكي جو و الذي جمعه القدر بالملاكم السابق تامبي دانبي ‘ سكير أعور ‘ ، إذ يحاول هذا الأخير إدخال جو لعالم الملاكمة و تعليمه سلسلة ضربات من أجل الغد بعد أن شاهد قوة لكماته و رأى روح الملاكم بداخله ، لكن الغر يابوكي يرفض ، و بسبب مشاكله و عناده يدخل الإصلاحية حيث سيقابل خصمه الأزلي ريكيتشي تورو ، الذي سيسحق ، معطيا إياه الحافز لدخول عالم الملاكمة ‘ أحس جو بمرارة المذلة لأول مرة ‘ ، سيتدرب جو بجد و يتعلم أساليب الملاكمة من تانبي ليواجه ريكيتشي في بطولة مصغرة تقام للترويح عن السجناء و أخص هنا ضربته الشهيرة المرتدة العكسية كروس كاونتر الذي ستجعله يتعادل مع ريكيتتشي ، فيقرران حسم نزالهما خارج الإصلاحية ، حيث سيشق كل منهما طريقا نحو النجومية ، وسط الفقر و الجوع و المعانات ، أملا في الغد المنشود ، لأطرح السؤال الأزلي أي غد هو غدك يا جو ؟

رغم أن جو عمل رياضي فهو مختلف تماما عن ما قد تكون شاهدته سابقا ، فلا توجد علاقات حب ثلاثية ولا رباعية ، كل ما فيه رجولي موجه لمن يريد رؤية واقع الملاكمة المخيف ، كما لا مكان فيه للكوميديا إلا في ما ندر من لحظات بهجة لا تراها إلا بعد ساعات مشاهدة طوال ، المانغاكا و عكس أعماله لأخرى كالنمر المقنع مثلا ركز على الواقع التراجيدي الدرامي ، و حاول أن يثور على ما سبقه من مانغات وردية سعيدة ، و قد نجح أتم النجاح في هذا ، قد يرى البعض خلو الأشيتا من الرومنسية و الكوميديا جعله عملا خاليا من المشاعر ، لكن العكس ما حصل تماما ، إذ أن دفعة من الأحاسيس ستجتاحك مع مرور الفصول و الحلقات ، ستشعر بالهيبة لعظمة الملاكمة و ما يعانيه الملاكم ليصل لمكانته ، ستعرف الحزن الحقيقي بعد أن ترى ما يقاصيه الرجال في الحلبة ، لكن أهم ما ستمر به هو التعاطف مع جو ، إذ سترى تطورا مهيبا لم يحصل لأي شخصية أنمي رياضي قبلا ، سترى الإنسان و هو يتجاوز حدوده ، ستعرف المرادفات الحقيقية للرجولة مع ريكيتشي تورو و كارلوس ريفيرا ، رغم إختلاف عدد كبير معي ، فإني أرى جو البطل كأطروحة فلسفية متشعبة ، تنطلق من طرح إشكال عميق ألا و هو : ما هي حدود الإنسان ؟ ولأي مكان قد يوصله طموحه ؟ إلا سؤال أعمق و هو هل تكفي الموهبة وحدها ؟ و هل بذل الجهد المضاعف يحقق النجاح بالضرورة ؟ كي تفهم ما أقصده بكلامي وجب أن تتابع جو ، و تراه من منظور جديد بعيد عن ما تظهره الحلقات ، أن تكون من يلاكم في حلبة الوحوش تلك .

يابوكي جو إسم لهيبته الشعر يشيب و إن إعتقدتم كلامي تخريفا فميندوزا عن سؤالكم مجيب ، جو شخصية معقدة جدا ، ففي البداية كان غرا يتكلم بالعنف فقط ، لا يحترم أحدا و لا يهتم سوى بنفسه ، لن أكذب لو صادقتكم قولا كم كرهته و ندمت لذلك ، جو مشهور بمعطفه القديم و قميصه الأحمر كذا قبعته و تسريحته السابقة لزمنها ، ولد يتيما لم يعرف طعم العائلة و حنانها ، إذ قضى طفولته تتلاوحه المياتم ، مل بسرعة من تلك الحياة ففر هاربا ، و من هنا تنطلق قصتنا ، جو شخص منعزل و غير إجتماعي ، سريع الغضب لا يملك أخلاقا ، لا يفهم النساء جيدا و يعاملهم بتكبر و علو ، هذا هو الظاهر من شخصيته لا غير ، لكنه إنسان طيب القلب يكره الظلم و الإعتداء ، يحب الأطفال و يعاملهم كإخوته الصغار ، محترف باشينكو لا يخسر فيها بتاتا ، جو كملاكم كان يعتمد كثير على أسلوب اللادفاع و تلقي الضرب ككيس رمل بشري ، ينتظر فرصته و ينهي النزال بمرتدته العكسية الشيطانية ، لكنه غير أسلوبه و صار يهجم على الجسد و ينهي نزالاته سريعا بسبب حادثة غيرت حياته ، يعرف في عالم الملاكمة بإله الموت ، لا يستسلم مهما تلقى من ضرب و مهما سقط أرضا ، يحب إستفزاز خصومه و التظاهر أنه الأقوى .

وصلنا للحديث عن أجواء الأنمي ، و التي تميزت في غالبها بالسوداوية ، خلال المشاهدة ستجد نفسك في يابان الستينات ، ظلام دامس و فقر مدقع ، معاناة و تعاسة ، هدوء يدمره صخب جو و لعبه مع الأطفال ، تارة أخرى يصير جوا كئيبا خاصة عند خسارة جو … نجح الإستوديو في تقريبنا للأحداث و جعلنا نتفاعل مع أبسط ما يحصل ليابوكي ، الأشيتا مدرسة الدراما و السوداوية لو صح القول ، سيجعلك تعيد التفكير في حياتك و في ما قد تفعله أجل غدك و أحلامك .

كثر القيل و القال ، لكن و من ما لا شك فيه أن أن الحديث عن جو يجعلنا نقف عند واقعية العمل ، فرغم أن جو ملاكم موهوب لكنه يخسر بسبب تهوره ، قلة خبرته و ذكاء خصومه ، و عدم إستعداده الذهني و البدني عدة مرات ، و رغم مداخيل الملاكمة الشامخة إلا أن جو و طاقمه مضطرون للعمل لضمان لقمتهم ، فجو ملاكم من القاع و ليشق طريقه للمجد وجب نزع شوك الفقر و حسد باقي نوادي الملاكمة ، فبسبب لمعان بريق يابوكي السريع يحاول الكل تجنب الللعب ضده أو جعله يواجه ملاكمين فوق مستواه بكثير ، علينا الوقوف كذلك على مسألة رفع الوزن و خففضه ، و العذاب الذي يواجه الملاكمين للعب في غير أوزانه ، و قد تطرقت أعمال عدة كهاجيممي نو إيبو لهذا ، لكن مانغاكا جو ركز و صب جام جهده لتوضيح تلك المعاناة و المخاطر الناجمة عن هذه المغامرة ، جميعنا يعرف ما يحصل للخاسر في الملاكمة ، لكن الخسارة الكبرى عند الإصابة بعاهة تنهي مسيرتك ، محولة إياك من رياضي شريف إلى رجل عصابات أو متشرد سكير حقير ، و قد تم التطرق لهذه الشريحة كذلك ، أكثر أمر واقعية في جو ما حدث للأسطورة علي كلاي و الذي تعرض لمشاكل في دماغه سببت له العويصة من الأمراض ، و السبب كثرة تلقي الضرب في الرأس ، نفس الأمر سيحصل في جو البطل ، كل هذا و أكثر جعل المداد يجف لروعة و واقعية الأشيتا ،و التي رفضها اليابانيون في البداية بحجة العنف المبالغ و غياب الشونينية الزائدة التي كانت مطلب العامة الأول حينها ، فرغم توزيع أكثر من ثلاثين مليون مجلد من الأسطورة إلا أن هذا كان نتيجة للدبلجات الأجنبية و للموسم الثاني من الأنمي ، جو عمل عاش طاقم عمله نجاحهم المستحق بعد سنين من صدوره كخلاصة للقول .

بلغنا الآن فقرة الحديث عن الرسومات و التصاميم ، الرسم في المانغا كان كلاسيكيا نوعا ما صبياني و مبعثر في أول الفصول ، ليتحسن تدريجيا ، فالقتالات و الضربات مرسومة بطريقة مثيرة محمسة ، تعابير الوجوه خاصة عند الحزن و الغضب معبرة توصل رسالة الكاتب بأكتر من طريقة ، الأشيتا واحدة من تلك المانغات التي بدأت برسم متوسط لتتنتهي بتحفة فنية في آخر المجلدات ، الموسم الأول من الأنمي و بكل أمانة كان مزعجا بسبب ذلك التحريك السيئ ، و هذا عائد لتاريخ صدوره و ضعف الإمكانيات في تلك الفترة ، لكن هذا أحد المميزات التي تحتم عليك مشاهدة العمل لتعرف التطور المهول الذي عرفته صناعة الأنمي ، غير التحريك فقد تم إقتباس الشخصيات كما هي من المانغا و بل مع تحسينات جعلتها أكثر رجولية ، الخلفيات كانت ظلامية معبرة عن معاناة جو و من معه ، الرسم في الموسم الثاني و التحريك كذلك من مستوى آخر ، لن أكذب إن قلت أن كل حلقة كانت معرض لوحات فني ، الوجوه و الخلفيات و التحريك و غيرها من ما كان سلبيات في سابق المواسم صارت نقطة قوة العمل ، مشرف العمل أوسامو ديزاكي أعطى قلبه و روحه ليخرج لنا بهذا الماستربيس ، و الذي كان بواته في ما بعد ليخرج مشاريع كبرى كالبلاك جاك و آسترو بوي و فيلم كلاناد و … ما ميز الرسم في جو أنه يدوي و بسيط بشكل خلاب و بديع فماذا تريد أكثر من ذلك .

ها قد حططنا الرحال في فقرة الموسقى و الصوتيات ، أول ما شدني لجو كانت شارة البداية المدوية ، عرفت فورها أني أمام عمل رجولي ميلودرامي ، كلمات عميقة تزرع فيك الأمل و تضعك مكان من يلاكم .. بأسلوب غناء شعبي صاخب ، لا ننسى تهويدة جو التي يغنيها أو بالأحرى يصفرها تجعلك مندمجا و مسترخيا مع الإشارة لإستخدام هذه الأخيرة في اللايف ٱكشن ، من المقاطع الخالدة كذلك أغنية ريكيتشي تورو و التي كانت ممزوجة بموسيقى الجاز ، بكلمات فخمة عبرت عن مسيرة الرجل الملاكم الجلمود ريكيتشي ، باقي مقاطع الموسم الأول كانت عادية لا تستحق الذكر ، الموسم الثاني كان حافلا زاخرا بالمقاطع القوية نذكر أهمها بلوز منتصف الليل الذي يعْبر بك لعالم الملاكمة الموحش ، و لعلي سأقتبس تعليقا لأحد الأجانب للتعبير عن روعته ‘ هذا المقطع تحفة فنية حفرت فيها ذكريات طفولتي الغابرة شكرا شكرا جو ‘ ،جو للأبد و تلك الصرخة

الأيقونية ‘ هي جو ‘ ، مقطع موسيقي يجلب الدموع و لو كان قلبك صخرا ‘ لقد بكيت و أنا ٱكتب هذا السطر ‘ … طاقم الإنتاج كان موفقا في إختياره للفويس آكترز ، كما كانت طواقم الدبلجة و خاصة العربية منها و التي ٱنصحك بها و بشدة .

حرق لمن أكمل العمل فقط : نهاية جو أعظم و أتعس نهاية قد تمر عليك ، إذ أنها غامضة تقبل من التفسيرات الكثير ، فبعد نهاية مباراة الوحوش ضد ميندوزا و كلمات جو التاريخية للمدرب دانبي يموت بسبب الإجهاد و المرض ، يموت في لحظة مجده الكبرى ، لهول المباراة يشيب ميندوزا رغم فوزه ، إذ لم يلاكم جو وحده بل لاكم كل فقير طموح ، كل حالم بالغد طامع  في الأفضل ، ميندوزا الذي جعل خصومه يتطايرون خارج الحلبة إرتعب و خاف ، و من من ؟ من جو غر الأحياء الفقيرة ، لقد خسر جو اللقب و بل حتى حياته ، لكنه علمنا كمشاهدين أن الإنسان يمكن أن يتجاوز حدوده ، درس مجاني بطعم الدموع في مادة الرجولة ، بعد موت ريكيتشي و مرض كارلوس نصدم بموت حو التراجيدي ، موت غير عادي و بل بالأحرى موت على طريقة الكبار ، بإبتسامة عريضة على محياه قد غادرنا و هو في قمة النشوة و السعادة ، و من ما يبدو لي أن جو قد لامس غده و حقق حلمه و تغلب كليا على عقبة ريكيتشي ، هناك عدة آراء تقول على أن جو لم يمت ، فبعد مشهده الخالد و خطابه القصير إنتهى كل شيء ، و قد صرح الكاتب إلى ٱن جو سيصل للغد المنشود مهما كلف الثمن ، و لن يموت بتلك السهولة ، ما جعلها نهاية فلسفية مفتوحة .

عموما و كختام لممراجعتي ، فأشيتا نو جو عمل كامل لا يتكرر ، يستحق المشاهدة و بل الإعادة كذلك ، هناك أعمال فوق المناقشة و سلطة القلم الأحمر ، و جو بلا شك أحدها إن لم يكن أبرزها ، شخصيات رجولية ، موسيقى فخمة ، نزالات ملحمية ، لوحات فنية ، حبكة متماسكة .. قد تزعجك البداية البطيئة ، لكن ما إن تتجاوزها فستجد نفسك تلتهم الحلقات إلتهاما ، و بعد ما تنهيه لا تنسى أخد فترة نقاهة كي لا تشوه الصورة التي ستخلدها معمعة الملاكمة هذه في ذاكرتك …
Share on Facebook Tweet on Twitter Share on Google+
author
UnknownRealase at

Nothing

You Might Also Like

Comment Now

0 التعليقات